موقع القرضاوي
برنامج الشريعة والحياة – على قناة الجزيرة
مقدمة
عبد الصمد ناصر: السلام عليكم ورحمة الله وأهلا بكم إلى حلقة جديدة من برنامج الشريعة والحياة، شهد عدد من الدول العربية والإسلامية تصاعد مشاركة الإسلاميين في العمل السياسي بل أن بعض الحركات الإسلامية حصلت على نسب مهمة من مقاعد البرلمان ويرى الكثيرون أنه لو سُمح للحركات الإسلامية في البلدان الأخرى بالمشاركة السياسية لحققت نجاحا جيدا، إننا إذاً أمام تغير ملحوظ في المشهد الإسلامي فإلى حدود بداية الثمانينيات كان الخطاب السائد في صفوف الحركات الإسلامية، على سبيل المثال المغربية يرتكز على رفض الانخراط في المسلسل الديمقراطي وعدم القبول بالانفتاح على مؤسسات الدولة بل كانت جل التنظيمات الإسلامية المغربية تنظيمات سرية تعتبر الدخول في العمل القانوني بمثابة إقرار بالنظام الحاكم واعتراف بشرعيته وركون لسياسته غير أن هذا النجاح الإسلامي وتلك المشاركة تثير الآن العديد من التساؤلات من داخل الحركة الإسلامية ومن مناهضيها، فما الذي تغير في رؤية الحركة الإسلامية لجهة قبولها بالمشاركة؟ وماذا بعد المشاركة؟ هل سينشغل الإسلاميون كما يقول خصومهم بالمسائل الأخلاقية على حساب طبيعة المشكلات التي تواجه أمتنا ودولنا الحريات العامة والتنمية وصون الوجود الوطني والقومي إلى غير ذلك؟ وماذا عن المشاركات الإسلامية في الانتخابات البرلمانية في العراق؟ وكيف نفرق بين الموقف السياسي والحكم الشرعي في العمل السياسي عامة؟ وهل يمكن الدمج بين العمل الدعوي والسياسي أم أنه سيكون له سلبيات على كلا العاملين؟ المشاركة السياسية هو موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، أهلا بك فضيلة الشيخ.
يوسف القرضاوي: أهلا بك يا أخ عبد الصمد.
عبد الصمد ناصر: يعني كما في المقدمة فضيلة الشيخ يعني يلاحَظ بأن هناك توجها عاما تقريبا لدى الكثير من الإسلاميين للمشاركة أو الانخراط في العمل السياسي والاندماج في الأنظمة بعد قطيعة ربما أو مقاطعة لفترة طويلة، ما الذي يبدو ربما تغير في رؤية الإسلاميين إلى الأنظمة القائمة ولمداخل التغيير في الحياة السياسية؟

موقف الإسلاميين من الانتخابات عبر العصور
يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا رسول الله وعلى أهله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد، فأود أن أعلق على بعض ما جاء في المقدمة فقد فهمنا أو فهم المشاهد والسامع من هذه المقدمة أن الإسلاميين في أول الأمر كانوا يقاطعون الانتخابات ويقاطعون المشاركة السياسية ولا يرون ذلك جائزا أو مشروعا وأعتقد هذه يعني نظرة طائفة محدودة جدا من الإسلاميين ولكن الإسلاميين من قديم شاركوا في الانتخابات ورشحوا أنفسهم ولم يفوِّتوا فرصة إلا وانتهزوها، من قديم الشيخ حسن البنا رحمه الله رشَّح نفسه وأيام الاحتلال الإنجليزي في مصر وفُجع الإنجليز بهذا ويعني.. طارت رؤوسهم من القلق وكلموا النحاس باشا رئيس الوزراء في ذلك الوقت أن يحاول منع الشيخ حسن البنا من الدخول في الانتخابات وكان الأستاذ البنا يعني لا زال في أول أمره حتى أن النحاس باشا قال لهم.. يعني الجماعة اللي حوله مين حسن البنا ده اللي الإنجليز خايفين منه يعني وجاء به وأقنعه أن يتنازل وأنه يعطي الأخوان بعض الأشياء كانوا يطلبون التراخيص بها فأعطاه، فهذا من قديم ثم بعد ذلك حسن البنا رشح نفسه في دائرة الإسماعيلية وأصرت الحكومة على أن تسقطه وأسقطته بالتزوير، في سوريا رشح الشيخ مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان هناك نفسه أيضا أمام واحد قومي معروف كل الحركات الإسلامية دخلت المعركة الانتخابية وخاضتها يعني حتى الأستاذ المودودي وهو الذي يعني كان يقول الحاكمية لله وكذا ومن أشد الناس قسوة على أنظمة الحكم ويصفها بالجاهلية وكذا جماعة الأستاذ المودودي دخلت الانتخابات كذا مرة، فإخواننا أول ما أتيحت لهم فرصة في البلاد المغربية أي المغاربية يعني أقصد..
عبد الصمد ناصر: المغرب والجزائر.
يوسف القرضاوي: في تونس أول ما بدأت لهم فرصة يعني عملوا حركة النهضة ورشحوا أنفسهم وهكذا في المغرب أول ما أتيحت لهم الفرصة كانت حزب العدالة والتنمية أو كان حزب الإصلاح والتجديد أو كذا، في الجزائر أول ما أتيح فرصة لإنشاء حزب إسلامي كانت جبهة الإنقاذ الجبهة الإسلامية للإنقاذ ورشحوا أنفسهم وأنا يعني حينما أُعلن عن إنشاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ ذهبت أنا وفضيلة شيخنا الشيخ الغزالي رحمه الله خصيصا إلى الجزائر لنشكر الرئيس الشاذلي بن يزيد على هذه المبادرة الشجاعة، قال إن البلاد العربية كلها ترفض أن يقوم حزب إسلامي..
عبد الصمد ناصر [مقاطعاً]: يخشون من دخول الإسلام.
يوسف القرضاوي [متابعاً]: بزعم أنه حزب يقوم على أساس ديني وهذا يعني فكل.. في تركيا..
عبد الصمد ناصر: في تركيا والكويت.
يوسف القرضاوي: تركيا يعني منذ الأربكان حزب السلامة وحزب الرفاه وحزب الفضيلة وحزب العدالة.. فيه حزب العدالة في إندونيسيا، حزب التجمع للإصلاح في اليمن، الإخوان المسلمون في الأردن يعني.. مَن قال إنه الإسلاميين كانوا معتزلين المشاركة السياسية؟ لم يعتزلوها إلا رغم أنوفهم حينما يعني يُفرض عليهم أن يقبعوا في أماكنهم وأن يعتزلوا الحياة، حينما توجد لهم أي فرصة لن يدخلوا لماذا؟ لأنه الإسلاميين مؤمنون أن الجماهير معهم، الجماهير في ديارنا بصفة عامة مع الإسلام، بلادنا بلاد مؤمنة، شعوبنا شعوب مؤمنة، أنا كنت أقول دائما اسألوا الناس استفتوا، اعملوا استفتاء عام هل تقبلون الإسلام أو لا؟ هل أنتم مع الإسلام أو مع الماركسية أو الليبرالية أو كذا؟ اعملوا بس هذا الاستفتاء كما عمل في إيران.. إيران أول ما جاءت الثورة عملت استفتاء حر 98% من الناس قالوا نحن مع الإسلام، فشعوبنا شعوب مؤمنة وخصوصا بعد عصر الصحوة الإسلامية.. الصحوة الإسلامية التي فرضت نفسها على واقعنا العربي والإسلامي وغيَّرت المفاهيم وغيَّرت الأفكار وساقت الناس إلى الالتزام بالإسلام رجالا ونساء، كان الخمار هذا أو ما يسمى الحجاب كان شيئا نادرا أو شاذا في الحياة الاجتماعية في بلادنا العربية، الآن أصبح ظاهرة هذا، ظاهرة البنوك الإسلامية والشركات الإسلامية الملتزمة بالإسلام كل هذا من آثار الصحوة الإسلامية المعاصرة.
عبد الصمد ناصر: نحن لا نتحدث هنا عن الذين كانت لهم رغبة في المشاركة وأُجبروا ولكن عن الذين كانوا قد عزلوا أنفسهم ويرون بأن الدخول في الحياة السياسية والمشاركة مثلا في هذه الأنظمة هو اعتراف وإقرار بهذه الأنظمة وربما ركون لسياستها.
يوسف القرضاوي: ما أنا أقول لا يجوز أن نصف الحركات الإسلامية لأن فئة محدودة لها رأي معين يعني ليس من الإنصاف أنك تصف الحركة الإسلامية العامة الكبرى المتمحورة في كل مكان والتي لها ظهورها ولها أبناءها وأنصارها في أقطار شتى من أجل فئة تقول.. هذه الفئة لا تزال لعلها إلى اليوم وإن كان بعضهم غيَّر رأيه، بعض الناس غيَّر رأيه ودخل المعركة، كان من قبل يقول لا.. لا ندخل في هذه أنظمة كافرة وهذه أنظمة كذا فهذا إقرار، بعضهم وجد أن من الخير ومن المصلحة أن يدخلوا في المعركة السياسية ودخلوها في كثير من البلدان.
عبد الصمد ناصر: طيب يقول البعض بأن المشاركة الإسلامية ربما لن يُسمح لها بأن تكون ممتدة أن تكون مؤثرة بالتالي فإن الأمور لا تؤخذ بالأكثرية ولا معنى لهذه المشاركة.
يوسف القرضاوي: الذين يرفضون المشاركة عن طريق الانتخابات كيف يرون التغيير؟ نحن كلنا مؤمنون بأن الحياة عندنا فيها خلل كبير وفساد كبير ولابد من تغيير ولابد من إصلاح كيف يتم التغيير؟ إذا لم يتم التغيير بالطريقة السلمية بالطريقة الديمقراطية بالطريقة الشورية بالطريقة الانتخابية كما.. سميها ما تسميها يبقى لابد أنه واحد من أمرين إما انقلاب عسكري وهذا أمر ليس من السهولة يعني بحيث يحدث لأن أصبحت هناك جيوش.. جيوش كبيرة لم يعد من السهل أن تكون فئة شعبية تقاوم الجيش وحتى أنا ضد الانقلابات العسكرية حتى ولو كانت إسلامية لأن أنا لا أريد أن يحكمنا العسكريون ولو كانوا يعني إسلاميين، نحن نريد أن يحكمنا أناس مدنيون نعرفهم قبل الانقلاب ونعرفهم ومارسهم الناس وجربوهم، لا نريد هذا فهذا يعني ليس بالأمر، بقي شيء آخر ثورة شعبية عامة وهذه لا تتوفر بسهولة لابد لها من شروط مثلما حدث في إيران، اللي حدث في إيران ثورة شعبية، قام الجيش ضد السفاك ضد الكذا وظل الجيش يضرب في الناس ويقتل في الناس ثم يعني إلى متى يظل يقتل يعني وهؤلاء مهما كان أهله وإخوانه فانتصر الشعب هذا ليس من السهل، الأمر الذي ينبغي أن يخوض فيه الناس ويقبلون عليه هو التغيير السلمي عن طريق صناديق الانتخاب وأنا أقول الذين يقولون هذا لا يمكن أن يصل الإسلاميون إلى هذا، مَن الذي يغلق الباب في وجوههم؟ لقد وصل الإسلاميون في تركيا.. تركيا العلمانية أول علمانية في البلاد الإسلامية حكمت الناس بالحديد والنار وغيرت كل شيء غيرت التشريع وغيرت التعليم وغيرت الثقافة وغيرت المجتمع وغيرت حتى اللغة حروف اللغة التركية اللغة العربية، اللغة التركية كانت تُكتب بالحروف العربية..
عبد الصمد ناصر: وأصبحت لاتينية.
يوسف القرضاوي: زي الفارسية والأُردية وهذه البلد كانت تكتب.. فحتى الحرف العربي مُنع.. حتى الآذان مُنع أن يكون الآذان باللغة العربية فماذا كانت؟ هل ووراءها جيش قوي يسندها ووراءها الغرب يشد أزرها؟ حينما أتيحت الفرصة للإسلاميين العقلاء الواعيين الذين يؤمنون بسُنة التدرج والتدرج سُنة كونية وسُنة شرعية استطاعوا أن يحكموا يعني تركيا وأن يغيروا فيها تغيرات هائلة.
عبد الصمد ناصر: لكن فضيلة الشيخ يعني في تركيا مثلاً أو في حزب العدالة والتنمية في المغرب هم لا يقولون بأنهم حزب إسلامي وإنما أشخاص في هذا الحزب يحملون قناعات إسلامية وليس حزبا إسلاميا بالمفهوم الإسلامي؟
يوسف القرضاوي: هم لا يقولون هذا، إحنا إيه يهمنا القول أو الفعل؟ هم لا يريدون أن يثيروا الآخرين إنما عمليا معروف أن هؤلاء حزب إسلامي هم أبناء أربكان هم الذين كونوا من قبل حزب السلامة وحزب الرفاه وحزب كذا ولكنهم لم يريدوا أن يعلنوا، أنا لا يهمني الإعلان أنا يهمني العمل ممكن الواحد يقول أنا إسلامي ولكنه ليس إسلاميا يعني في الحقيقة حزب العدالة والتنمية في تركيا أو في المغرب أو كذا هي أحزاب إسلامية من غير شك وماضيها كله يدل.. أشخاص.. كل يدل على هذا..
عبد الصمد ناصر: يعني هذا قد يكون مدخلاً يصل بنا إلى العراق لأننا نحن بعد أيام وبالضبط يوم الخميس المقبل سنكون على موعد مع الانتخابات البرلمانية في العراق، هل يمكن شرعا لأن الكثير.. هناك جدل الآن حول المشاركة في العراق مشاركة سياسية في العراق أم لا؟ هل يمكن شرعا أن يفرز هذا الاقتراع الذي يُجرى في ظل وجود قوات أجنبية الكثيرون يسمونها قوات احتلال أن تفرز سلطة تتمتع بمشروعية وتحظى أيضا بأساس شرعي لعملها؟
يوسف القرضاوي: أما أنها قوات احتلال هي قوات احتلال، هم حتى نفسهم يقولوا قوات احتلال ومجلس الأمن قال إنها قوات احتلال..
عبد الصمد ناصر: نعم، هناك قرار مجلس الأمن شرَّع الاحتلال.
يوسف القرضاوي: لا يشك أحد في أنها قوات احتلال ولا يعني ينبغي لأحد أن ينكر على أهل العراق أن يقاوموا الاحتلال لأن هذا أمر مشروع كل شعب غُزِي من بلد أجنبي يجب أن يقاوم الاحتلال هذا حق شرعي بل هو من حق.. ده واجب ده فرض يعني العلماء المسلمين ومذاهب المسلمين جميعا تعتبر جهاد الغازي المحتل لأي أرض من أرض الإسلام فرض عين على أهله وعلى المسلمين جميعا أن يساعدوه هذا فرض ما حدش يقدر ينكره، نحن لا ننكر المقاومة وحق العراقيين في المقاومة ولكن نقول مع هذا إذا وُجدت فرصة لانتخابات يعني يغلب على الظن أن تكون حرة ونزيهة وهذا ما نطالب به العراقيين ونطالب به السلطة العراقية أن توفر جو الحرية والنزاهة ليؤدي الجميع أصواتهم ويقول كل منهم رأيه وهذا ما نحمله لإخواننا الشيعة أكثر من غيرهم لأن السلطة بأيديهم الوزارات بأيديهم الجيش بأيديهم الشرطة بأيديهم فلابد أن يهيؤوا للشعب العراقي أن يؤدوا أصواتهم، بعض الأخوة هناك يقولون إنهم عملوا مقرات الانتخاب بعيدة جدا وحرَّموا على الناس أن يستخدموا السيارات الواحد يمشي عشرة كيلو أو أكثر حتى يصل إلى مقر بلدنا الانتخابي لابد أن..
عبد الصمد ناصر: وهذا فيه الكثير من المخاطر.
يوسف القرضاوي: فأنا أدعو الأخوة العراقيين بكافة أطيافهم السياسية وبكافة عروقهم الجنسية وبكافة طوائفهم المذهبية أدعوهم جميعا مسلمين ومسيحيين، سُنة وشيعة كل الطوائف وأخص أهل السنة لأنهم.. كثير من أهل السنة يريدون أن يقاطعوا الانتخابات أنا أقول لهم لا.. لا تضيِّعوا هذه الفرصة، نحن إذا دخلنا في فقه الموازنات بين المصالح والمفاسد وفقه المآلات إذا نظرنا إلى النتائج والآثار وفقه مقاصد الشريعة وفقه الأولويات كل هذه الألوان من الفقه تفرض على أهل السنة أن يدخلوا المعركة ولا يفوتوا هذه الفرصة حتى لا تُقسم التركة وهم غائبون يقولون أتحنا لهم الفرصة ولكنهم ضيَّعوها لا وأنا أقول وجود الاحتلال الأميركي لا ينبغي أن يعزلهم عن المشاركة، الاحتلال الأميركي زائل وهو زاهق كما يُزهق كل باطل وشمسه ستغرب عن قريب ولذلك لا ينبغي أن يعطلهم عن دخول هذه المعركة هناك إحنا عندنا في الفقه الإسلامي أحكام في حالة السعة والاختيار وأحكام في حالة الضيق والاضطرار، أحكام الضرورات لها أحكامها هذا أمر معروف الضرورة تقتضي أن إحنا نشارك الآن ولا نضيِّع هذه الفرصة.
عبد الصمد ناصر: طيب، فضيلة الشيخ إذا كان يراد لك أن تشارك مثلا أنت كعضو سُني في العراق يراد لك أن تشارك في هذه العملية ولكن ما يراد حقيقةً هو أن تتخلى عن شرط الجهاد؟
يوسف القرضاوي: عن إيه؟
عبد الصمد ناصر: إذا تعارض مثلا مبدأ المشاركة مع مبدأ المقاومة والجهاد؟
يوسف القرضاوي: لا.. لا يتعارض هذا مع ذاك، ناس بتشتغل في المقاومة وناس بتشارك في العمل السياسي ممكن أننا نستخدم كل الآليات الممكنة، الرسول عليه الصلاة والسلام في غزوة الخندق أو غزوة الأحزاب جنَّد الصحابة جماعة يحرصوا المدنية من الداخل فيها الزراري والنساء وكذا وجماعة يحرصوا يقفون أمام الخندق وواحد زي النعيمي بن مسعود الأشجعي حين أسلم قال له اذهب فاغزل عنا فإن الحرب خدعة والرسول عليه الصلاة والسلام يحاول أن يفاوض غطفان ليفصلها عن قريش حتى يفتت هذه القوة الغازية وفاوضهم في أول الأمر على أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة ويرجعوا ويتركوا قريش وحدها يعني العمل السياسي في ناحية والعمل النفسي في ناحية يقوم به مسعود والعمل الحربي والعسكري لازم هذا.. ليس هناك تناقض بأن يعمل كلٌ في مجاله.
عبد الصمد ناصر: يعني حتى لو كان البعض سيقول بأن المشاركة السياسية في العراق في العمليات السياسية في العراق ربما ستصب في مصلحة الاحتلال، ما قولك في ذلك؟

انتخابات العراق وديمقراطية المحتل
يوسف القرضاي: المحتل يهمه أن تقوم ديمقراطية في العراق تجسد أفكاره هو وتعمل على خدمة اتجاهه حتى بعد أن يرحل عن البلاد ولذلك من مهمتنا أن نفشل خطته يعني إذا ترك الناس الأخيار والناس الأمناء والنزهاء والشرفاء تركوا التصويت في الانتخابات وتركوا الأمر لغيرهم مَن سينتخبون؟ سينتخبون أعوان المحتل سينتخبون الذين يولون للمحتل، نحن لا نريد من الناس أن تذهب تختار القوي الأمين، اختار الإنسان الذي تراه أصلح لخدمة وطنك هؤلاء يعني إحنا بنعتبر الانتخاب ده شهادة يعني الإنسان حينما يؤدي صوته يشهد يعني يقول هذا رجل صالح لأن يمثل هذه الدائرة هذا رجل قادر على أن يخدم الوطن هذا رجل أمين هذا حفيظ عليم بيُشهد له، لا نريد شهود الزور في الانتخابات، إذا ترك أهل الحق موقعهم سيحتله أهل الباطل وما فيش فراغ فلماذا نترك لأهل الباطل أن يقولوا هم وينتخبوا أعداء الوطن وأعوان المحتل..
عبد الصمد ناصر: يعني فضيلة الشيخ على هذا..
يوسف القرضاي: وهو عندي فرصة إنني اختار الإنسان الشريف الحر النزيه.
عبد الصمد ناصر: هذا الأساس المشاركة إذاً هي فرض عين على هؤلاء الناس وربما من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
يوسف القرضاي: نعم هو هذا كما قلت، واحد مطلوب للشهادة إذا طُلب الإنسان للشهادة فإذا لم يؤدها وكتمها ضاع حق إنسان فيكون هذا حرام بل كبير، الله تعالى يقول {ولا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} لا يجوز للشاهد إذا دُعي لأداء الشهادة أن يأبى {ولا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ومَن يَكْتُمْهَا فَإنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} {ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ} فهناك أمران محرمان في الشهادة أن يكتم الشهادة أو يأبى أن يحضر ليشهد والأمر الآخر أن يشهد زورا وشهادة الزور دي من أكبر الكبائر كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال "عدلت شهادة الزور الإشراك بالله تعالى" لأن الله ذكر في القرآن {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} يعني القول الزور وشهادة الزور بجوار عبادة الأوثان فنريد من المسلم أن يشهد وأن يشهد بالحق يختار الإنسان الصالح لأن يمثل دائرته وأن يكون في خدمة وطنه وفي خدمة شعبه.
عبد الصمد ناصر: طيب أن يشهد يعني حتى من باب دفع الضرر الذي قد يلحق بفئة ما ربما ستغيم عن هذه العملية وقد تتضرر منها الأجيال القادمة وليس فقط الجيل الحاضر؟
يوسف القرضاي: هذا يعني يؤكد أن الشهادة هذه وأن الانتخاب فريضة وضرورة، فريضة يجيبها الدين على الإنسان وضرورة يحتمها الواقع وإلا ترتب عليها أضرار كثيرة فعلا والمسلم يعني كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يؤمن بقوله "لا ضرر ولا ضرار " يعني لا ينبغي أن يضر نفسه ولا أن يضر غيره هذا سيضر أناس كثيرين لا يستطيعوا أن يصلوا إلى حقهم سيعمل اختلال في الموازين البلاد، الشعب العراقي ده شعب يعني فيه أطياف شتى فيه عروق متعددة فيه أديان متعددة فيه مذاهب متعددة فيه اتجاهات سياسية متعددة فإذا تُرك لاتجاه واحد يغلب ضاعت الاتجاهات الأخرى لابد.. نحن حريصون جد الحرص وكل الحرص على أن يبقى العراق شعب واحد ووطن واحد ودولة واحدة وإذا كان هناك بعض الناس اشتكى من الدستور لغياب أيضا طائفة كبيرة من أهل السنة لم تشارك في الانتخابات وفي أشياء ينتقدها أهل السنة عندهم فرصة إذا دخلوا يعني في هذه الانتخابات عندهم فرصة أن يعدِّلوا هذا الدستور أن الأشياء اللي رأوا فيها التوسع في القضية الفكرية توزيع الثروة أشياء معينة في هذا الدستور عندهم فرصة إذا دخلوا انتخابات وكان لهم وجود قوي يستطيعون أن يغيروا وأن يعدلوا.
عبد الصمد ناصر: هذا عن المصوِّتين عن المواطن العادي لكن الذين سيتم ترشيحهم وسيصلون سيتبوؤون مقاعد في البرلمان وقد تُسند إليهم مسؤوليات، كيف يمكنهم التعامل أو ما هي الطريقة المثلى للتعاون مع القوات الأجنبية في العراق قوات الاحتلال ومع مؤسساتها السياسية؟
يوسف القرضاي: هناك طريقان كما قلت للتعامل مع القوات الأجنبية، هناك طريق المقاومة الوطنية الإسلامية الشريفة..
عبد الصمد ناصر: العمل السياسي..
يوسف القرضاي: وهؤلاء ماضون في طريقهم، هناك الطريق السياسي طريق المحاورات والمفاوضات وخذ وطالب وأعمل.. هذه لها أهلها وهذه لها أهلها وكما قلت لا تناقض بين الطريقين كلٌ له أهله.
عبد الصمد ناصر: بالتالي الحديث عن قواعد شرعية تحكم عملية المشاركة السياسية يعني هذا قائم، هناك قواعد شرعية تحكم هذه المشاركة السياسية؟
يوسف القرضاي: نعم قواعد شرعية إحنا شريعتنا يعني حاكمة على جميع أفعال المكلفين كما قال الأصوليون يعني ليس هناك عمل لمكلف مسلم لا يدخل تحت حكم من أحكام الشريعة الخمسة اللي هي الأحكام الخمسة اللي هي الفرض والمستحب والحرام والمكروه والمباح أي عمل يعمله الإنسان سواء كان إنسان سياسي ولاَّ إنسان اقتصادي ولا إنسان في الأسرة ولا إنسان منفرد وحده أي عمل يعمله لابد أن يحكم عليه الشرع بواحد من هذه الأحكام فليس هناك موقف يخرج عن إطار الشريعة.
عبد الصمد ناصر: طيب، كيف نفرق إذاً بين الموقف والاختيار السياسي وبين الحكم الشرعي؟
يوسف القرضاي: ما فيش حاجة اسمها موقف سياسي وحكم شرعي، أي موقف للمسلم سواء كان موقفا سياسيا أم موقفا اجتماعيا أم موقفا اقتصاديا لابد أن يدخل تحت حكم الشرع هذا تقسيم لا يعرفه الإنسان المسلم، إن السياسة لها وضع والشرع له وضع، سياسة الإنسان المسلم محكومة اسمها سياسة شرعية يعني السياسة الشرعية هي التي تحتكم إلى الشريعة وتحتكم إلى الشريعة مش معناها لابد أن ترجع إلى القرآن والسنة في كل شيء لأن القرآن والسنة لم ينصا على كل شيء من الأشياء التي تغيب عن كثيرين لأن بعض الناس يظن إن كل شيء جاء في حكم شرعي، لا.. افرض إن فيه قضية الإسكان مثلا يعني أنت قلت في المقدمة يا ترى الإسلاميين اللي نجحوا مثلما نجح الإخوان في مصر ها يقعدوا ليشتغلوا بالعبادات وبالأخلاقيات وينسوا المشاكل؟ لا مَن قال هذا؟ المشاكل لابد ولابد أن يبحثها حسب الواقع يهتدي بهدى الشرع لأن الشرع له في كل شيء هداية يعني افرض البيئة حماية البيئة ورعاية البيئة وتلوث البيئة وهذه الأشياء، أنا كتبت كتاب اسمه رعاية البيئة فيه توجيهات هائلة للإسلام في قضية البيئة، افرض قضية البطالة للإسلام فيه قضية البطالة توجيهات عظيمة ولكننا ما نكتفيش بهذا، أنا لابد أن أذهب إلى أهل الاختصاص في البيئة وأعرف منهم ما المطلوب لكي أحافظ على البيئة وأذهب إلى أهل الاختصاص في حل مشكلة البطالة لأن دي مشكلة البطالة لها وجه اقتصادي ولها وجه اجتماعي وله وجه سياسي ولها وجه أخلاقي فلابد أن أحاول أن أستفيد من كل ذي اختصاص ما أستفيده منه في تكوين صورة متكاملة لحل المشكلة من جذورها.
عبد الصمد ناصر: يعني هذا الكلام قد يعتبره البعض نظريا لكن سيصطدم بواقع آخر سيصعب معه تنفيذ هذا الكلام؟
يوسف القرضاي: سيحصل معه؟
عبد الصمد ناصر: سيكون صعب تنفيذ هذه الأشياء؟
يوسف القرضاي: ليه؟ صعب على الإسلاميين وحدهم ولاَّ صعب على الناس كلها؟ يعني لما الإسلاميين يعالجوا حاجة تصعب عليهم وتسهل على غيرهم، بالعكس.
عبد الصمد ناصر: لا.. المقصود تطبيقات هؤلاء الإسلاميين صعبة أحيانا؟
يوسف القرضاي: لا بالعكس ده أنا أرى إن الإسلاميين أيسر في علاج المشاكل وأقدر عليها من غيرهم لأنهم يتعاملون مع شعوب متدينة، إذا دخلت على هؤلاء الناس أنا أضرب لك مثلا في الصحة العالمية، أعرف إخواننا في الصحة العالمية استطاعوا أن ينفذوا في عهد طالبان من الأشياء الصحية ما لم ينفذوه في أي عهد آخر لأنهم كانوا يأمرون الناس باسم الشرعية، يروح الناس مطعمين الأولاد باسم الشرعية من الأشياء إحنا الناس فاهمين إن الإسلاميين دول جماعة دراويش قاعدين يعني يقولوا مولايا صلي وسلم دائما أبدا على حبيبك وخير الخلق لا الإسلاميين الآن دول ناس عايشين في الواقع وعايشين مع العصر ولهم نظرياتهم.
عبد الصمد ناصر: أُطر كبرى مثقفون، نعم.
يوسف القرضاي: ولهم برامجهم الإصلاحية وتعلمهم الزمن.
عبد الصمد ناصر: فضيلة الشيخ أنت طرحت في كتابك حتمية الحل الإسلامي وكان الشعار الذي دخل به الإخوان المسلمون أيضا في مصر إلى الانتخابات هو الإسلام هو الحل، ما معنى هذا.. يعني كيف سيكون الإسلام هو الحل بطريقة عملية من خلال المشاركة السياسية الإسلامية؟
يوسف القرضاوي: أنا كتابي حتمية الحل الإسلامي وهي حتى سلسلة كتب.. أربعة كتب صدرت تحت هذا العنوان حتمية الحل الإسلامي وأولها كتاب الحلول المستوردة وكيف دنت على أمتنا والحل الإسلامي فريضة وضرورة إلى آخره، أنا اتخذت هذا العنوان وهو عنوان يعني ماركسي من أكلشيهيات الماركسيين الحتمية كل الحتمية قالوا إن حتميات ماركس كلها أخطأت ويعني لأنه كان بيقول إنه من الحتم أن تظهر اشتراكية أول ما تظهر في إنجلترا، ما ظهرتش في إنجلترا المهم أنا اتخذت هذا الإكلاشيه وإن كان ماركسي الأصل لأني كما يقول البلاغيون العرب من باب المشاكلة زي ما تقول ومكروا ومكر الله يعني إيه.. وجزاء سيئة.. سيئة مثلها، السيئة اللي بيجازى بها مش سيئة إنما مشياً على قاعدة المشاكلة فكان الميثاق الوطني الذي صدر في عهد عبد الناصر وهو ميثاق ذو نزعة يسارية كان يقول يعني باب كده سماه حتمية الحل الاشتراكي فأنا يعني مقابلةً لهذا قلت لا حتمية الحل الإسلامي كل المعطيات وكل المجيبات تقتضي أن الحل الإسلامي هو الحل الطبيعي والحل الحتمي والحل المنطقي والحل التاريخي والحل الواقعي ولا إنقاذ للأمة بغير هذا الحل فأنا أردت بهذا.. فالإخوة جُم في بعض السنوات حتى يقولوا إن إحنا نرفض الماركسية ونرفض الليبرالية المتحللة ونرفض كذا ونريد الإسلام، أحيانا بعض الحركات والثورات الكبرى تتخذ لها شعارات تبقى سهلة على الناس يعني مثل الثورة الفرنسية اتخذت شعارا الحرية، الإخاء، المساواة عشان ما يكثروش، حزب البعث أخذ شعار كده أمة واحدة ذات رسالة خالدة ممكن هذا لتجمع الجماهير إليها إنما هذا لا يمنع أن تقدم للناس برامجك، الإخوان في الانتخابات هذه قدموا للناس برامجهم التي انتخبهم الناس يعني هو مش مجرد الإسلام هو الحل خلَّى الناس تنتخبهم لا، إيمان الناس بأن هؤلاء يعني عندهم فهم صحيح للإسلام وإيمان صحيح وأخلاق يعني تجعلهم أهلا لأن يقودوا، من أجل هذا انتخبهم الناس وعندهم برامج يعني أساسية قدموها.
عبد الصمد ناصر: نعم، يعني بعض المعارضين للتيار الإسلامي يثيرون أو ينتقدون أداءهم في البرلمانات بأنهم يتمحورون حول القضايا الأخلاقية كما قلت والرقابية عن كتب، هل هذا تراه فعلا خوفا.. مبررا لهم ويبرروه على أرض الواقع؟
يوسف القرضاوي: هذا ليس صحيحا هذه ادعاءات يعني أما واحد يعني يأخذ في دائرته سبعة آلاف صوت والثاني يأخذ خمسة وعشرون ألف وبعد ما يروح يكتب يقول لك الشعارات الدينية البراقة والتي يضحكون بها على الناس وليس عندهم شيء هذا ليس صحيحا طيب ما الناس جربوا الآخرين هؤلاء سنين طويلة عشرات السنين ولا تزال البلد كما هي لم تتقدم خطوة إلى الأمام كما نقول محلك سر يعني كالثور في الساقية يدور ويدور ويسير ويسير والمكان الذي انتهى إليه هو الذي ابتدأ منه، الناس لماذا اختاروا الإخوان أنا أريد أن أقول البعض يقولون إن الإخوان أخذوا 20% من الانتخابات هذا ليس صحيحا هذا يعني مغالطة، الإخوان أخذوا حوالي 80% لأن الإخوان لم يرشَّحوا في كل الدوائر هم رُشحوا في مائة وعشرين دائرة فقط فالمائة وعشرين دائرة أخذوا فيها ثمانية وثمانين ولا تزال هناك دوائر يعني سيعاد فيها الانتخابات فشوف تسعين أو أكثر من مائة وعشرين فهذا هو يعني.. هذه النسبة الصحيحة التي لم يلتفت إليها كثير من المحللين والمراقبين..
عبد الصمد ناصر: هذا الأمر ينطبق نفسه على حزب العدالة والتنمية في المغرب حيث لم يرشح.. يقدم مرشحيه لجميع الدوائر.
يوسف القرضاوي: إلا في دوائر محدودة، نعم.
عبد الصمد ناصر: محدودة حتى لا يثير الخوف والهلع كما أثير في الجزائر.
يوسف القرضاوي: الإخوان أرادوا..
عبد الصمد ناصر: يا فضيلة الشيخ.. عفوا للمقاطعة.
يوسف القرضاوي: أنا أقول لك الإخوان أرادوا في مصر أن تبقى الأغلبية للحزب الوطني يعني لم يريدوا أن ينافسوهم ولكن أرادوا أن يكون هناك معارضة قوية تستطيع أن تقول لا وتناقش بقوة وتستطيع أن تغير في القرار ولكن للأسف نحن لا نزال في بلادنا نريد أن نكون الحكام الذين لا يعارضهم أحد نريد الـ 90 والـ 99% لا نقبل معارضا لنا، هناك الأحزاب الكبرى في البلاد العريقة في الديمقراطية حزب المحافظين وحزب العمال أو الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، في أميركا هل ينجح واحد منهم بـ 80% والآخر لا؟ أنا أعجبني في سنة من السنوات نجح أحد رؤساء لبنان رؤساء الجمهورية بنصف صوت سليمان فرنجية نجح بنصف صوت مش بصوت يعني 49 قبال 50 واللا مش عارف إيه يعني المهم نصف صوت نجح به الرجل، هذه هي الديمقراطية الحقيقية إنما نحن نريد أن نأخذ كل الأصوات كلها ونزور النتيجة، لمَ هذا؟
عبد الصمد ناصر: طيب، فضيلة الشيخ يعني الكثيرون الذين يتخوفون أو يعارضون عمل الحركات الإسلامية وانخراطها في الحياة السياسية يتخوفون من أن وصول هذه الحركات إلى السلطة سيؤدي إلى قمع الحريات العامة وبالتالي ما هي برأيك الأولويات التي يجب أن يركز عليها الإسلاميون في البرلمان أو في الحياة السياسية عامةً ومَن يقرر هذه الأولويات وعلى مَن ستستند هذه الأولويات؟
مفهوم الحريات دينيا ووضعيا
يوسف القرضاوي: أولا ادعاء أن وصول الإسلاميين إلى السلطة يقمع الحريات هي دعوة لا دليل عليها، الإسلاميون هم أول المستفيد من وجود الحريات، نحن رأينا بأعيننا ولمسنا بأيدينا أن الدعوة ألإسلامية تنتعش وتزدهر وتقوى وتتسع دائرتها إذا وجدت الحريات إذا فتحت أبواب الحرية ومتى تتوقف؟ إذا قُمعت إذا كان هناك الاستبداد إذا الناس سلطت عليهم سيوف الاستبداد وسياط الاستبداد تبقى الحركة متوقفة فكيف يقمع الإسلاميون الحرية كل الإسلاميين أول شيء يطالب به الإخوان كما يعلنون الآن أن نريد الحريات العامة إقرار الحريات وتثبيتها نريد تعديل الدستور بما يضمن الحريات نريد كل إنسان أن يحاكَم أمام قاضيه الطبيعي لا يحاكَم أمام محكمة عسكرية لا نريد أن إنسان يؤخذ تحت قانون الطوارئ ويُذهَب به وراء الشمس ولا يعرف أحد أين هو.
عبد الصمد ناصر: فضيلة الشيخ هنا يختلف مفهوم الحريات.. الحريات مفهومها الشرعي الإسلامي أم الحريات كما تقررها القوانين الوضعية؟
يوسف القرضاوي: الحريات كما تقابلها القوانين هو ما يقرره الإسلام نفسه متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار، الحرية التي ننكرها حرية التحلل حرية الفسوق أما حرية الحقوق فهذه يقرها الإسلام ويعتبرها ليست مجرد حقوق بل هي فروض، الإسلام يعتبر ما يسمى في الغرب حقوقا يسميه هو فرائض وواجبات، حق الإنسان في أن ينقد غيره يعني يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينصح في الدين هذا حق عند الغربيين، عندنا فرض الدين النصيحة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة.
عبد الصمد ناصر: نعم، هناك أيضا خوف من عدم الجمع بين مصلحة المجتمع ومصلحة الجماعة أو هل.. كيف يمكن الفصل بين مطالب التنظيم ومطالب المجتمع بكل فئاته؟
يوسف القرضاوي: لا.. هذا التنظيم لا يمكن أن يكون حائلا بين نظر نواب الجماعة ونظرهم لمصلحة الأمة هو ها ييجي في البرلمان ويقول أريد لتنظيم الإخوان كذا هذا مستحيل هذا.
عبد الصمد ناصر: لكن هذا يكون مسطرا في البرامج.
يوسف القرضاوي: هؤلاء النواب هم ممثلو الأمة هم ينوبون عن الأمة حتى الواحد وإن كان بينوب عن دائرته إنما عندما يدخل المجلس ككل يعتبر نائبا عن الأمة كلها ما ينبغي أن يبحث عنه هو مصالح الأمة.
عبد الصمد ناصر: مصالح أمة الإخوان كما يقول خصومهم؟
يوسف القرضاوي: هذا أمة الإخوان.. الإخوان بيبحثوا عن أمة الإسلام يعني كل واحد مسلم يقول أمَّتي.. أمَّتي قبل أن يقول جماعتي.. جماعتي أو حزبي.. حزبي الأمة فوق يعني كل شيء، فمَن يتابع أعمال الإسلاميين في البرلمانات المختلفة، في البرلمان المصري لهم نواب في المجلس الماضي ولهم قبل ذلك نواب أكثر عندما تحالفوا مع الوفد حزب العمل وللإخوان يعني ناس أو ماكنش من الإخوان، الحركات الإسلامية في تركيا في اليمن في إندونيسيا في المغرب في الأردن مَن رأى هؤلاء يعني قبعوا في جحورهم أو قصروا كل يعني سلوكهم وعملهم على جماعتهم وعلى تنظيمهم هذا لم يحدث..
عبد الصمد ناصر: فيه بعض التنظيمات.. فضيلة الشيخ فيه بعض التنظيمات لا يمكن أن تفصل بين الزعيم الروحي للجماعة أو للحزب وبين هذا الرجل كرجل يقوم بدور دعوي، كثير من الكتب كتبت مؤخرا حول الدعاة والعمل السياسي، هل ترون أنه يجب الفصل بين الدعوة والعمل السياسي؟
يوسف القرضاوي: ليس من الضروري لا يعني ممكن يعني واحد يشتغل بالدعوة ويفرغ نفسه لها خصوصا إذا لم يكن له يعني همة في العمل السياسي، فيه بعض الدعاة يعني لا يهتم بالعمل السياسي هو مجيد في العمل الدعوي ويرى أن العمل السياسي سيعطله عن الدعوة ولكن بعض الناس تحب أن تشارك، كان أخونا وصديقنا رحمه الله الشيخ صلاح أبو إسماعيل كان داعية من الدعاة المتميزين وله تأثيره في جمهوره وله أسلوبه الخاص ولكنه رأى أن يستغل حب الناس له في دائرته وإقبال الناس عليه ودخل البرلمان يعني مرات عديدة وحاولوا أن يسقطوه فلم يستطيعوا، الناس كانت تستقتل لتحمي الصناديق حتى لا تُغيَّر ولا تُزوَّر فالشيخ صلاح أبو إسماعيل اشتغل بالدعوة واشتغل بالسياسة، لمَ لا.
عبد الصمد ناصر: إذاً لا مانع من استمرار الداعية مثل شعبيته في العمل الدعوي؟
يوسف القرضاوي: لا مانع ما أنا قلت لك الشيخ حسن البنا قال لك إيه إمام الدعاة في عصره ورشح نفسه الشيخ السباعي إمام الدعاة ورشح نفسه لماذا لا يعمل الدعاة بالسياسة إذا كان عندهم قدرة على العمل السياسي وعندهم رغبة في العمل السياسي يمكن أنا تقول لي اشتغل رشَّح نفسك أقول لك لا أنا عندي مشروعات علمية وعندي أهم من السياسة ليس معنى هذا أنني أحرِّم السياسة على الدعاة لا.. زي الذين يقولون لا يجوز إقامة حزب ديني لماذا؟ لماذا لا يقوم حزب ديني؟ الآن الناس متدينون يُحرمون من أن يعني يكون لهم نشاطهم السياسي أن يشاركوا في العملية السياسية هذا أمر يعني غريب، يُسمح للشيوعي ويُسمح للقومي ويُسمح.. إلا الديني بعضهم يقول لك لا حتى لا يقوم حزب إسلامي وحزب قبطي ليه يقوم يا أخي حزب إسلامي وحزب قبطي إيه المانع؟ خلي الناس تعمل علنا بدل ما يروح يشتغل يعني مع إخوانه في السراديب وفي كذا خليه يعمل حزب ويراه الناس علنا أمام أعين الناس وأبصارهم وأسماعهم.
عبد الصمد ناصر: إذاً.. ولكن فضيلة الشيخ يعني المشكلة الخوف أن هذا الداعية حينما سيتفرغ للعمل السياسي أو نقُل ليشارك في العمل السياسي سيؤثر على عمله الدعوي أيضا أفكاره قد يُنظر إليها على أنها ربما ترويج لفكر سياسي معه.
يوسف القرضاوي: لا هذا إذا الناس يعني أرادت أن تشكك في أي شيء فيمكن التشكيك ويمكن التشويه ليس كل ما يقال يُسمع، يستطيع الإنسان إذا كان صادقا في عزمه مستقيما في اتجاهه واضحا في رؤيته أن يعمل في الجانبين معا وقد رأينا مَن عمل في الجانبين في بلاد شتى رأينا كثيرا من الإخوة من علماء الشرعية يعني في الأردن وفي اليمن وفي المغرب وفي غيرها من العلماء والدعاة والأقوياء خاضوا المعركتين معا معركة العلم والدعوة ومعركة السياسة وما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعاً.