د. طارق محمد السويدان/الوطن القطرية يتساءل كثير من الناس هنا وهناك.. سراً وعلانية، هل من أمل يبدو للخروج من أزماتنا!؟ وهل بمقدورنا أن نعود إلى سابق عزتنا؟! ونخرج من وهننا وتخلفنا، وتمكن الآخرين منا؟! وإذا صدق هذا التساؤل، وتعمق هذا الإحساس، رجونا أن يشكل هذا الدافع فينا لمعاينة المشكلة، والتفكير في حلها، والعمل على الخلاص منها، فإن الشفاء من المرض يبدأ بخطوة الشعورية، ثم السعي نحو الخلاص منه، والأمة بمجموعها كالشخص بمفرده، لابد أن تحس بواقعها المرير، وتشعر بمرضها الخطير، ومصابها الأليم، ليكون ذلك هو المنطلق نحو طلب الدواء، والسعي إلى تلمّس أسباب الشفاء. الإحساس بالمرض هناك خطر عظيم على الأمة بمجموعها، حينما تفقد الأمة إحساسها بالمرض، وتفقد شعورها بالألم، فتتعايش معه، وتستمرئ ضرَّه، بحيث يحملها على عدم التفكير به. فلابد إذاً من إثارة الشعور بالمرض، والإحساس بالألم، ولا بد من التعرف على أسبابه ومساربه، وأبعاده ومداخله، حتى يشكل دافعاً إلى ضرورة علاجه، والخلاص منه. وهناك خطوات لا بد منها لعلاج مثل هذه الأورام والأمراض: 1- التفكير الواعي في تحديات الأمة، وهي كثيرة، وكثيرة جداً، منها الرابض فينا، ومنها الدخيل علينا، ومن أهمها هذا التخلف الذي نعايشه، وإيثارنا الراحة على التعب والجد في مداواة همومنا وغمومنا، والطوق المحكم الذي جعله الآخرون، وجعلناه في أعناقنا حتى أصبح قيداً يصعب كسره، وضعف أيدينا في الشد على ثقافتنا وتراثنا. 2- الدراسة العميقة لتاريخ الأمة، فنحن لنا تاريخ وضيء، فلابد أن نعرف نشأته، وتدرّجه، حتى اكتمل سوياً على سوقه، ولابد أن نعرف المبادئ والقيم التي استقام عليها هذا التاريخ، وانبعثت منها تلك الحضارة الزاهية الراقية، فنعتصم بها، ونبني ما جدَّ على أساسها، فمن ليس له أصل، يعزّ عليه أن يبدأ من الصفر. إن تاريخنا قام على مجموعة من الأسس والمعطيات نذكر منها: - تحديد المرجعية الفكرية. - تحقيق الوحدة الاجتماعية والسياسية. - حماية الأمة من الأفكار الدخيلة الهدّامة، ومدُّها بالمعارف الثابتة والمتحدة. ومن هنا يجب أن نبدأ بعد شعورنا بالمشكلة، ومدى عمقها وضرِّها، وإحساسنا بضرورة تصفيتها، والخلاص منها، بالبناء السليم على أنقاضها، وإذا صح القصد أمكن الأمل، وتيسرت مقاصده ((وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)) (التوبة:105). انفراج الأزمة الصبر والثبات.. هكذا ينبغي أن يكون موقفنا دائماً في الأزمات، مهما قستْ وأظلمت، فالفرج ممكن، والخلاص ليس مستحيلاً، ولا سلطان لليأس والقنوط. هذا هو الشيخ الكبير الوقور، أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام قد بلغ من الكبر عتياً، وهو محروم من الولد، فجاءته الملائكة فبشرته بغلام عليم، فقال قولته ((قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إلاَّ الضَّآلُّونَ)) (الحجر: 54-56). فلا يأس ولا قنوط في حياة المؤمن، ولا في قلبه، فالفرج دائماً يلوح بين عينيه، والأمل بالخلاص لا ينقطع لديه مهما قست الظروف. إن المسلمين اليوم -خصوصاً العرب- واقعون -كما يقولون -في حَيْصَ بَيْصَ- أي في ضيق وشدَّة، تألّب عليهم الناس، ونصبوا لهم الفخاخ، وبلغوا من الهوان مبلغاً، لا يسرّ صديقاً، ولكن الصالحين فيهم لم ييأسوا بعد، ولم يقنطوا، وهم يرون مخارج كثيرة للصعود، وأبواباً عديدة للنهوض، وهم إن شاء الله جادون في التوجه إلى الأمام، للخروج من هذا الواقع المرير، إن المسلمين يملكون عقيدة دافعة، وتراثاً مانعاً، وتاريخاً ناصعاً، ولديهم المعطيات الفكرية، والمؤهلات الشخصية، ما يمكّنهم من النهوض بعد الكبوة، والوقوف بعد السقوط، ها هم يبصرون أسباب الشفاء، وعوامل البناء، ولم يعد كيد الآخرين يخفى عليهم. البداية الصحيحة إن صحوة المسلمين اليوم تشكل البداية الصحيحة، للانطلاقة الواعية، كيف لا وقد وضعوا أصابعهم على مكامن الداء، وأبصروا عناصر الشفاء، إنهم يأبون إلا التمسك بالإسلام، عقيدة وفكراً، شريعةً ونظاماً، سلوكاً وآداباً، مادة وروحاً، أفراداً وجماعات، إنهم يملكون من عناصر البناء والارتقاء ما لا يملكه الآخرون، مهما بهرجوا ما عندهم، وزيّنوا ما لديهم. إن حركة المخاض في حياة المسلمين لا يمكن إلا أن تلد المولود السليم إن شاء الله تعالى، سيما وأن الآخرين أسفروا عن نواياهم، وبدا عوارهم لكل ذي عينين، لقد أصبح المسلمون على قناعة أنهم لا يجدون حلاً لمشاكلهم عند غيرهم، ولن يجدوا دواءً لأمراضهم في صيدليات أعدائهم، فلا بد لهم والحالة هذا من أن يعودوا إلى مستودعاتهم، ومخازنهم ومراكز تموينهم، فإنها ملأى بأصناف الأدوية وأنواع الذخائر، إنهم على موعد مع ربهم عز وجل الذي لم يبخل عنهم إذا صدقوا النية، وأخلصوا له الطوية، وبادروه بالقول والعمل، الذي يرضيه سبحانه وتعالى، وهو القائل لهم ((وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) (آل عمران:139)، ((أَلا إنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ)) (البقرة:214). استثمار الواقع إن واقع الغرب اليوم يبدو ضعيفاً هشاً فيه من الأزمات والمشاكل مايلهيه عن أذى المسلمين ويشغله شيئاً ما عن مواصلة غزوهم ثقافياً واقتصادياً، لا ندّعي أن الغرب قد انهار وأنه بلغ الهاوية، لكن لاينكر عاقل أنه يعيش أزمة حقيقية لو أننا استفدنا منها لنبدأ نهضتنا اقتصادياً ونستعيد دورنا سياسياً واجتماعياً ودينياً لكانت نقطة بداية جيدة، خاصة وأنه بدأ يشعر بشيء من الحاجة لنا والتقرب منا، وأكبر دليل على ذلك استضافة المملكة العربية السعودية في دول العشرين. خاتمة من الوهم أن ننتظر سقوط الغير ليرتفع شأننا، أو أن نحلم بانهيار الآخرين ليظهر بنياننا المنخفض على أنه مرتفع ليس لأنه كذلك بل لأن الآخرين انهاروا، لكن العقل والمنطق والدين يدعوننا لنعمل ولا مانع من الاستفادة من وضع معين أو واقع حاصل، لكن ليس على أساس الأحلام، بل على أساس التخطيط والعمل وبلوغ الهدف، ولعل القادم من الأيام يحمل لنا أبواباً كانت صعبة أو مغلقة، لكن هل نستثمرها ونغتنمها كما ينبغي؟ tareq@suwaidan.com |